الذكريات المؤلمة هي شبح تلاحق الكثير منا في منتصف رحلته في هذه الحياة لتشكل ذلك الحزن الذي
يبقى عالقاً في عقلك وروحك وحتى تشعر انه يتحجر في حلقك وكأن الكون كله عالق به .
كل شخص في الحياة مر بتجربة سيئة أو محرجة أو بها شيء من الألم يكفي أن تترك علامة واضحة في
نفسيتك ، ولكن في المقابل نجد الكثير من السعداء في الحياة والمتميزين والناجحين .
ونجد آخرين عالقين في الحزن لا يخرجون منه ، فهل السعداء لا يملكون أحزان ؟ وهل من يمتلكهم الحزن
لديهم ألم لا يمكن تخطيه ؟
في الواقع لا ، الإجابة بكل بساطة أن الشخص السعيد إستطاع أن يتجاوز حزنه ويتخطاه ويغير مجرى حياته
والحزين البائس هو ذلك الذي اختار ان يبقى رهن إشارة ذكرياته السيئة في كل وقت فلا هو يستطيع إيقافها
ولا يستطيع تجاوزها .
هنا سنلخص لك أفضل وأقصر نمط ، إن التزمت به ستتخطى كل ما يحزنك لتعود إلى السعادة التي كنت عليها
أو لربما تصبح أكثر سعادةً :
افهم تفكيرك
يجب قبل أن تغير أي شيء في حياتك أن تفهم تفكيرك بشكل جيد وتفهم ما الذي يحصل معك وكيف ومتى
ولماذا ومع من ، ولذلك يجب أن تقوم بتطبيق هذه الخطوات المهمة لنصل إلى الفهم الجيد للتفكير :
فهم تفاصيل الموقف السيء
يجب أن تجيب عن عدة نقاط ويُفضل أن تقوم بكتابتها على ورقة ، وأجب عن الأسئلة التالية :
ما الذي حدث بالتفاصيل ؟
من الأطراف التي كانت في هذه الذكرى ؟
ما السبب الرئيسي لما حدث ؟
أين حدث وفي أي وقت ؟
كيف كانت ردة فعلك اتجاه ما حدث ؟
كم يوماً بقيت عالقاً في تأثير هذه الذكرى ؟
كم مر عليها من وقت ؟
هل تأثيرها سابقاً نفس التأثير الآن ؟
بعد الإجابة على هذه الإسئلة سيكون لدينا تصور واضح حول ما حدث بالفعل وبالتفاصيل فيجب أن نبدأ بحل
التفاصيل نقطة بنقطة .
ما الذي حدث بالتفاصيل ؟
عندما نتذكر القصة أو الحادثة لأول مرة نتذكرها بكامل تفاصيلها وبشكلنا وبتصرفاتنا والمكان الذي حدثت به
والروائح التي كانت موجودة في المكان وكل التفاصيل الكبيرة والصغيرة .
لكن مع الوقت تبدأ الذكرى بالنقصان شيئاً فشيئاً حتى لو اعتقدت أنك تتذكرها كما هي .
تذكر الحادثة الآن بالفعل وتحدث مع نفسك بصوت مسموع وبشكل كافٍ عن التجربة التي مررت بها حتى
تُشبعها بكل ما يخطر ببالك ، فالتفريغ العاطفي مهمٌ جداً ومن المهم ان تسمع نفسك وأنت تتكلم عن ما حدث
لأن دائماً الأمور عندما تكون محبوسة في قلبك تكون أضخم بعشرات المرات مما هي في الحقيقة .
الآن وبعد ان فرغت مشاعرك بالكلام وسمعت نفسك ، اكتب هذه الذكرى بحرية ، اكتب كل ما يجول بخاطرك و
أنت تعرف أنه لن يطلع على هذه الورقة أحد وبعد أن تنتهي تماماً من الكتابة ، قم بحرقها وأخبر نفسك أنها
ستحترق بداخلك كما احترقت أمامك .
من الأطراف التي كانت في هذه الذكرى ؟
الأطراف الذين كانوا متواجدين بالحادثة أو هذه الذكرى التي لا تستطيع أن تتخطاها ، فأين ما كان موقعهم أو
مكانهم وإن كانوا على قيد الحياة أم لا أو أنهم غادروا حياتك ، فالأمر لربما ما زال يشغلك أنت وهم لا يعلمون
بالأمر وحياتهم تسري على أكمل على وجه .
لنكون واقعيين لن أخبرك أنك ستقوم بنسيان كل شيء تماماً وكأنه لم يحدث ، لا ولكن التأثير مع الوقت
سيختفي فبدلاً من أن تتذكر الحادثة وأنت تعتصر ألماً فستتذكر الحادثة وأنت تضحك على نفسك مما كنت
عليه من الحزن المبالغ فيه الذي أضعت عليه من وقتك وطاقتك وأيامك التي أنت أولى بها .
ما السبب الرئيسي لما حدث ؟
يجب أن نكون واقعيين ونعترف بالسبب المباشر لما حدث ، ونضعه أمام أعيننا فإذا كان بوسعنا التعلم منه
للمستقبل فهذا أمر رائع أما اذا كان ما حدث لم يكن بسبب تدخل مباشر منك أو أنك تعرضت له بالصدفة
فيجب أن نكون متفقين بداية أن ما حدث لن يعود ولن يتكرر .
أين حدث وفي أي وقت ؟
بالبداية يجب أن تبتعد عن أي محفزات قد تجعل هذه الذاكرة تلاصقك ، لو كانت شيئاً تراه أو شيئاً ترتديه أو
مكان تذهب إليه أو أي شيء ، تخلص مما تستطيع التخلص منه ، غيّر الطريق الذي تسلكه ، المهم أن تفكر
بطريقة حتى تتخلص من أي شيء قد يحفز ذاكرتك على تذكر ما حدث .
التفاصيل .. هي تلك الجزئية التي لو قمنا بتغييرها سنوفر على نفسنا الكثير ، غيّر من تفاصيل مجريات ما
حدث ، غيّر مثلا من شكل لباسك – بمخيلتك – أو غيّر المكان الذي حدث به المشكلة تخيل أنه حدث في
مطعم أو في غابة أو غيّر أي تفاصيل تستطيع إحداثها .
لا تستهن بهذه الجزئية فالتفاصيل هي التي تكون المشهد ومع اختلاف التفاصيل عقلك سيأخذ تأثيراً أقل
بكثير مما كان يتعامل معه بالسابق .
كيف كانت ردة فعلك اتجاه ما حدث ؟
بالتأكيد لديك فكرة واضحة تماماً عن تأثير هذه الذكرى وعن كمية المشاعر التي صاحبتك بوقتها ، حان الآن
لاستبدال هذه المشاعر .
لا يجب ان نُبقي عقلنا ومشاعرنا تحت تأثير الذكريات السيئة فقط ، فيجب أن تُقرن كل ذكرى سيئة بأخرى
إيجابية ، بمعنى أنك في حالة التخيل أو التذكر للحالة السيئة تذكر بعدها فوراً ذكرى ايجابية مررت بها .
وكي لا تجد صعوبة في ذلك ، اكتب على ورقة كل الأمور الإيجابية والجميلة التي تتذكرها في حياتك وكلما
هاجتمك الذكريات المؤلمة وعجزت عن التذكر الفوري للذكرى الإيجابية اذهب إلى الورقة ، اختر إحدى الذكريات
الجميلة وأبدأ بتذكرها لينتقل شعورك تلقائياً إلى الإيجابي ومع الوقت وبسبب اقتران المشاعر السلبية في
عقلك بأخرى إيجابية سيقل تأثير السلبي بشكل ملحوظ .
كم يوماً بقيت عالقاً في تأثير هذه الذكرى ؟
كم يوماً بقيت عالقاً في هذه الحالة أو المشاعر ؟ سواء إن كان كثيراً أو قليلاً فهذا يكفيها حقاً ويجب أن نلتفت
بجد إلى اللحظات الحالية ونعيش بها .
كثيراً ما نقوم بالشرود في لحظة أداء أعمالنا لدرجة أننا نصبح مثل الرجل الآلي الذي يعمل وذهنه منشغل ،
انتبه لكل التفاصيل التي تحيط بك كشكل الأشياء والرائحة حاول ان تبقى متيقظاً أو قم بوصف ما يحدث من
حولك ، أو قم بتشغيل محاضرة في موضوع تحبه لتستمع إليها في وقت عملك الروتيني لتجذب انتباهك إلى
شيء آخر ، أو استعمل كلمة تنبيهية لإيقافك عن التذكر أو التخيل وقل بصوت مسموع ” أنا هنا ” أو ” أنا منتبه
” او مهما يكن ، المهم أن تحافظ على ذهنك حاضر لوقتك الحالي أو أن تنشغل بأشياء تعود عليك بالنفع
لمستقبلك .
كم مر عليه من وقت ؟
الوقت كفيلٌ بكل شيء ليس بالنسيان فقط بل بالتعلم ، فبالتأكيد من حين تعرضك لهذا الموقف إلى الآن
واجهت العديد من الأمور ومررت بتجارب كثيرة وقابلت اُناس كُثر .
هنا يجب أن نركز على ما تعلمناه في حياتنا من شيء جيد بسبب هذه التجربة المؤلمة ، ولا تقل أنها لا
شيء ، لأنه لا يوجد تجربة تكون خالية من الفوائد فقط قرر أن تبحث عن فائدة ما تعرضت له وستجد أشياء
كثيرة .
عندما تتذكر ما حصل ، أخبر نفسك أنه لولا ما حدث لما أصبحت قوياً هكذا أو ما كنت سأعتمد على نفسي أو
ما كنت سأجتهد في هذا الشيء أو ما كنت سأتعلم هذه الرياضة لأدافع عن نفسي أو لما تعلمت أن أجعل
شخصيتي أقوى وبها ثقة أعلى .
ابحث عن ما استفدته وأقرنه بالحدث دائماً وتذكر أنه لولا الحزن لما شعرنا بطعم السعادة ، فأن يحدث معك امر
سيء شيء عادي لكن أن تجعل من هذا الشيء مصدر قوة أمر رائع .
هل تأثيره سابقاً نفس التأثير الآن ؟
التأثير مع الوقت يتلاشى ، ولجعله يتلاشى بشكل أكبر ” عش حياتك على أكمل وجه ” .
خطط لحياتك من جديد واجعل من ان تقوم بشيء جديد كل أسبوع من أسلوب حياتك .
لا يعني خوض تجارب جديدة أن تسافر أو أن تنفق الكثير من الأموال ! البساطة والعادات المفيدة الصحية هي السعادة .
جرب رياضة جديدة أو طريق جديد لم تعتد أن تسلكه أو حضر طبق طعام جديد أو أقرأ كتاباً أو شاهد فيلم ،
اخرج في رحلة مع أصدقائك ، شارك بالأعمال التطوعية , تعلم حرفة جديدة أو لغة أو عزف على آلة ..
المهم أن تقوم بتوسيع آفاقك ، وكن على ثقة تماماً من يريد التغيير سيتغير ومن يريد التجديد سيُجدد فالأمر لا
يحتاج إلى المال أو السفر أو الحجز بأفخم الأماكن ، كل ما تحتاجه هو الإرادة والبحث بصدق عن التغيير .
ونحن الآن في عصر تستطيع أن تصل الى ما تريد بكبسة زر وتتعلم ما تريد وتتقن ما تريد بشكل مجاني كل ما
عليك أن تفكر وتحدد وتبحث ، وعندها ستجد أنك تستطيع ان تغير حياتك بالكامل وتتقن مهارات كثيرة وتتقدم
وتتفوق ، فقط اذا نويت ذلك بحق !
نصائح قد تفيدك
اجعل جدول أيامك مشغولاً تماماً : خصص أوقاتاً للصلاة وللقراءة والعمل والدراسة والمطالعة وللعناية
بالنفس أو تعلم ألعاب أو رياضات جديدة أو مشاهدة أفلام أو الخروج في نزهات أو زيارة أماكن جديدة ، المهم
أن تملأ وقتك تماماً .
أعطِ صحتك أولوية : الصحة مهمة جداً ولها تأثير عظيم على النفسية ، فحافظ على غذائك بتناول الطعام
الصحي الذي يشعرك بالسعادة ويحتوي على القليل من السعرات الحرارية التي لا فائدة منها ، وسوف تجد
في موقعنا الكثير من المقالات التي قد تفيدك في هذا الشأن .
ومارس الرياضة اليومية على الأقل لمدة نصف ساعة يومياً فهذا سيحسن النفسية بشكل ملحوظ .
تكلم مع شخص تثق به : تكلم مع شخص موثوق حول ما تشعر به وخاصة إن شعرت أنك قد تضعف في
وقت ما ، تكلم معه من أجل أن يساندك في تخطي الموقف ولا يقوم بتذكيرك بما حصل ، المهم أن تكمل فيما
تريد أن تصل له .
استبدل الكلمات :لا تقل مررت بتجربة سيئة أو مؤلمة أو جارحة ، بل قل مررت بتجربة ماضية مضت وذهبت ،
وكررها على عقلك أكثر من مرة إلى أن تقتنع تماماً أن الماضي لا يجب أن يؤثر على الحاضر أبداً فتخسر
الحاضر والمستقبل بسبب شيء مضى ولن يعود .
اذا كنت تواجه قلق شديد او تلاحقك كوابيس ومخاوف يجب في هذه الحالة أن تراجع طبيب نفسي ليقوم
بمساعدتك بتخطي الأمر ولا تتهوان في ذلك أبداً .
وبالنهاية نتمنى السعادة والنجاح والراحة لكل الباحثين عنهم .