روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : “عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي
سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا ؟ أُمَّتِي هَذِهِ ؟ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ
ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ
هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ
فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ
فَقَالَ : هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ .. “. رواه البخاري 5270
أخبر النبي ﷺ أنه يدخل من أمته سبعون ألفًا بغير حساب ولا عذاب، وفي رواية اخرى مع كل ألف سبعين
ألفًا، ويخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف عن صفاتهم قال: هم الذي لا
يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون وهذا يعني: هم الذين استقاموا على دين الله من
أهل التقوى والإيمان، وعبدوا الله وحده، وأدوا فرائضه، وتركوا محارمه، واجتهدوا في أنواع الخير، حتى تركوا
بعض ما يستحب تركه كالاسترقاء، والكي من كمال إيمانهم.
لا يسترقون، أي: لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم لمرض كان فيهم، ولا يكتوون، أي: لا يطلبون من أحد أن
يكويهم، ولا يتطيرون، أي: لا يتشاءمون، وعلى ربهم يتوكلون، أي: يعتمدون علي الله اعتماداً كلياً. فعلم من
قوله: لا يسترقون أنهم لو قرؤوا على غيرهم فلا بأس، ولا يحرمون من هذا الثواب العظيم ، وكذلك من كواه
غيره بلا طلب منه فإنه لا يحرم هذا الثواب.
أما التطير فهو يعني التشاؤم، قال العلماء: التشاؤم يكون بمرئي أو مسموع أو معلوم
1. التشاؤم من مرئي: مثل أن يرى شيئاً فيقع في نفسه التشاؤم، كأن يرى طيراً أسود فيقول: هذا سواد يومي، أو كأن يرى أمامه إنساناً عثر فمات فيتشاءم ويقول: إن ذهبت في هذا الطريق حصل لي مثلما حصل لهذا الشخص، أو ما أشبه ذلك .
2. التشاؤم بمسموع: مثل أن يسمع كلمة نابية فيتشاءم ويرجع عن حاجته.
3. التشاؤم بالمعلوم: التشاؤم بالأيام أو بالشهور، كما كان أهل الجاهلية يفعلون، منهم من يتشاءم بشهر صفر، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال، ومنهم من يتشاءم بيوم الأربعاء، وغير ذلك مما هو معروف من طرق الجاهلية، فإن الطيرة من الشرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك، الطيرة شرك).
وعلى الإنسان أن يتوكل على الله ويعتمد عليه في أمره كله، وإذا رأى أن من الخير أن يفعل فليفعل، ولا يهمه ما سمعه وما رآه؛ لأن الطيرة من الشرك.
وأما التوكل فهو: صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب النافعة؛ لأن التوكل بدون فعل الأسباب النافعة يسمى تواكلاً وليس توكلاً، فإن سيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان يفعل الأسباب التي تقيه، ففي غزوة أحد ظاهر بين درعين يعني: لبس درعين خوفاً من السهام، وضرب الخندق على المدينة لئلا يدخلها العدو، واختفى في غار ثور ثلاثة أيام لئلا يدركه العدو.
يقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- “لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خصامًا وتروح بطانًا”، فالمسلم المتوكل يخرج من بيته ذاهبًا إلى عمله آخذًا بجميع أسباب الرزق ويعمل وفقًا لها متوكلًا على الله أنه لن يستطيع أن يضره أحد في عمله طالما قام بواجباته كاملة متيقنا في قدرة الله على حمايته ورزقه.
إن تحقيق التوكل بمعناه الواسع الذي يشمل الإيمان بالغيب والرضا بقضاء الله وقدره لا يتنافى أبداً مع الأخذ بالأسباب وإعمال العقل.
المصادر
almrsal.com
fatwa.islamonline.net
binbaz.org
islamqa.info